إلغاء الفلسفة وعودة الكتاتيب شكرا ... لمن ماتوا عن العالم ... ليمنحونا الحياة (1) السيد المسيح … صديقي الذي أحببته كما أحبه التلاميذ‎ قصة ”غير المولود أعمى”! لسنا عربا... ولسنا قبائل عُمر خورشيد.. ملِك الجيتار الخالِد هل سيتخلى ”اليهود” عن دعمهم التاريخي للحزب الديمقراطي‎؟! سمع هُس!! بين منهج الروحانية المسيحية وبين الصوم في المسيحية سياحة في فكر طبيب العطايا ... وأسئلة محيرة استريحوا قليلا

عائدة من القبر! ... قضية تريسيتا باسا الغريبة

كثيراً ما سمعنا عن أماكن وقعت بها جرائم قتل وأصبحت مسكونة بالأشباح، تلك الأشباح الغاضبة بسبب نهايتها الأليمة والبشعة، ولهذا نجد أن الزمن توقف بها عند تلك اللحظة وأصبحت تكرر قصة مقتلها، ماذا لو كانت تلك الأشباح تريد أن تخبرنا عن هوية من قتلها؟ وقصتنا اليوم تحكي عن شبح لم يظهر في الأحلام فقط، بل تلبس بشخص ليكشف عن قاتله ويخبر عن الأدلة بالتفصيل.

تبدأ الأحداث يوم 21فبراير 1977م ، في الساعة 8:40 مساءً ، عندما تلقى قسم مكافحة الحرائق اتصال يفيد بوجود حريق بالطابق الخامس عشر من عمارة تقع بمنطقة لنكولن بارك بمدينة شيكاغو الينويس الأمريكية، وبعد أن اقتحم رجال الإطفاء الشقة واستطاعوا إخماد النيران وبعد انقشاع الدخان ، وجدوا جثة محترقة جزئيا لامرأة عارية من الملابس ملفوفة ببعض الستائر المحترقة، وتم استدعاء الشرطة للتحقيق بالأمر، وعندما وصل المحقق جوزف ستاشولا بدء بالتحقيق وتبين له سريعا أن الجثة تعود إلى تيريسيتا باسا وهي مواطنة فلبينية الأصل من مواليد عام 1929م انتقلت للولايات المتحدة الأمريكية للعمل كطبية أمراض تنفسية في مستشفى أيدج واتر في شيكاغو .

وبفحص الجثة جيدا وجد المحقق سكين مطبخ مغروز بصدر الضحية، كما لفت انتباهه عدم وجود أثار اقتحام للشقة، حيث أن باب الشقة سليم مما يرجح أن الضحية تعرف القاتل جيداً، وبعد رفع البصمات لم يعثروا على مشتبه به، كما لم يستطع الطب الجنائي تحديد أذا ما تعرضت الضحية للاغتصاب أم لا.

وتم استجواب زملاء تيريسيتا بالمستشفى و كلهم أكدوا أنها كانت طيبة و متعاونة مع الجميع و لا يمكن أن يكون لها أعداء، كما قامت الشرطة بمراجعة الاتصالات الواردة لهاتف الشقة وقد وجدت مكالمتان، الأول كانت الساعة 7:10 مساءً والأخرى كانت الساعة 7:30 ومدة المكالمة حوالي 20 دقيقة، وتم التحقيق مع من قام بالاتصال حيث كان الاتصال الأول من أصدقاء القتيلة بخصوص شراء تذاكر، أما الاتصال الثاني فكان مع زميلتها بالعمل. بالنهاية وصل المحقق إلى طريق مسدود فلا يوجد حتى خيط واحد يقوده للقاتل.

بعد ستة شهور من الجريمة بدأت سيدة تدعى ريمي شوى برؤية كوابيس مزعجة ومرعبة جداً، حيث كانت ترى القتيلة تيريسيتا وخلفها مباشرة يقف رجل ذو ملامح بدت مألوفة بالنسبة لها، لكن تلك الملامح لم تكن واضحة المعالم بحيث تتمكن من تمييز صاحبها … هذه الكوابيس زادت حدتها بالتدريج، إذ بدأت ريمي تشاهد اللحظات الأخيرة الرهيبة من حياة تيريسيتا وكيفية مقتلها. جدير بالذكر أن ريمي شو هي ممرضة تعمل بنفس المستشفى، وهي زميله للقتيلة، وفلبينية الجنسية أيضاً.

بالنهاية اضطرت ريمي إلى أن تخبر زوجها الطبيب جوس تشوا عن كوابيسها الغريبة، فحاول أن يطمئنها قائلا بأن ما يحصل لها هو مجرد شعورها بفقدان زميلتها بالعمل وقام بصرف أدوية مهدئة ومنومة لها. لكن الأمور لم تنتهي عند هذا الحد، فالمسكينة ريمي شو لم تعد تضايقها الكوابيس فقط، بل لاحظ زوجها تغيرات بدأت تطرأ على صوتها، أصبح صوتها يشبه صوت القتيلة! .. وصارت تتعرض لحالات من الإغماء المتكرر تردد خلالها بصوت القتيلة عبارة: أنا تيريسيتا وقد قتلني الآن شويري.

وعندما وصلت الأمور لهذه المرحلة الخطيرة قرر زوج ريمي إبلاغ الشرطة. وبينما كان المحقق جوزيف ستاتشولا جالسا في مكتبه وصله اتصال من مركز شرطة إيفان ستون يدعوه للحضور حالاً لظهور شاهد يكشف تفاصيل مقتل تيريسيتا باسا ، وهناك بقسم الشرطة التقى المحقق جوزيف بالشاهدة ريمي تشوا و زوجها وأخبرته بتفاصيل عجيبة حقاً حيث قالت: أن من قتل تيريسيتا هو الآن شويري، وهو عامل ومنظف في المستشفى، وأنه سرق منها عقد لؤلؤ وحلقات أذن ذهبية، وهذه المجوهرات كانت هدية أشتراها والدها من فرنسا ثم أعطاها لأمها، كما أخبر الشبح على لسان ريمي أن المجرم قد أهدى المجوهرات لصديقته، كما أعطتهم اسم ورقم هاتف كين باسا ابن عم القتيلة وأسماء أشخاص آخرين مع أرقام هواتفهم للتأكد من صحة كلامها بخصوص المجوهرات.

كانت قصة مذهلة وتفاصيل عجيبة حقا لم يصادف المحقق جوزيف في حياته مثيلا لها، ورغم عدم تصديقه لهذا الكلام إلا أنه لم يكن هناك خيار أخر للمحقق جوزيف إلا أن يتأكد من المعلومات التي حصل عليها خصوصاً وأن التحقيق بالأساس كان قد وصل إلى طريق مسود.

توجه المحقق جوزيف برفقه مساعده لي أبلين إلى منزل الآن شويري، وتم تفتيش البيت، وبالفعل وجدوا المجوهرات هناك، وألقي القبض على آلان وتم نقله إلى مركز الشرطة للتحقيق معه، وتم التحقيق أيضا مع صديقته وشريكته في المنزل يانكا كاملوك، التي قالت بأن آلان أعطاها تلك المجوهرات واخبرها أنها هدية متأخرة لرأس السنة، حدث ذلك بعد أيام قليلة على مقتل الضحية تريسيتا .

في مركز الشرطة زعم آلان شويري أنه بريء وأنه وجد المتهمة مقتولة عندما وصل إلى شقتها وأنه سرق المجوهرات وهرب، وبعد ضغوط مكثفة من المحقق أعترف المتهم قائلا: أن تيريسيتا باسا طلبت منه أن يحضر إلى شقتها لإصلاح تلفازها المعطوب، وعندما دخل شقتها شاهدها ترتدي تلك المجوهرات فساوره الطمع وهجم عليها وخنقها بيده حتى فقدت وعيها ثم أحضر سكيناً من المطبخ وطعنها عده مرات بصدرها ثم نزع عنها ملابسها بغرض اغتصابها، لكنه خاف أن يكتشف أمره، فغطى جسدها بالستائر المتوفرة بالشقة وأشعل النار فيها ولاذ بالفرار.

بعد هذه الاعترافات وتعرف أهل وأقارب الضحية على المجوهرات، تم تحويل الآن شويري للمحكمة، وفي 21 يناير عام 1979 وقف الآن شويري أمام القاضي ولجنة المحلفين معترفاً بجريمته، لكنه عاد بعد عدة أيام ليغير أقواله، حيث ادعى انه لم يغادر منزله ليلة مقتل الضحية وأنه كان يلعب القمار مع صديقته وشخص أخر، وأن المجوهرات التي وجدوها معه أهدتها له القتيلة بنفسها بعدما قدم لها عدة خدمات، وأن اعترافه السابق بقتل الضحية أنتزع منه بالضرب والتهديد. لكن هيئة المحلفين لم تصدق هذا الكلام، فليس من المعقول أن تعطي الضحية مثل هذه المجوهرات الثمينة والتي تحمل ذكريات عزيزة على قلبها مقابل خدمات بسيطة، ومن المستحيل أن تقدمها هديه لأي أحد، كما أن المتهم لم يستطع إثبات تواجده ليله الجريمة، حيث نفت صديقته ادعاءه انه سهر معها تلك الليلة. ورغم وجود جميع القرائن التي تؤكد ضلوع آلان شويري بقتل الضحية إلا أن المحلفين ترددوا في إصدار قرار لمدة لخمس أيام وذلك بسبب غرابة القضية وملابساتها العجيبة، خصوصا مسألة الأحلام والكوابيس التي أدت للإيقاع بالقاتل، وبالنهاية تم الحكم على المتهم بالسجن 14 سنة بتهمة القتل والسرقة والتخريب.

أما السيدة ريمي تشوا فقد انتهت معاناتها مع الكوابيس والتلبس وعادت لطبيعتها. فيما قامت أسرة القتيلة تيريسيتا بنقل جثمانها إلى مسقط رأسها في الفلبين حيث دُفنت هناك.

المؤسف في القضية هو أنه في عام 1983 تم إطلاق آلان شويري بعد أن قضى خمس سنين فقط بالسجن نتيجة لحسن السلوك، ولاحقا تزوج بامرأة أسمها ناعومي كانت تحضر جلسات محاكمته، وقد حاول الكثير من الصحفيين إجراء مقابلة معه ليسألوه هل كان مذنب فعلاً أما أنه بريء؟ ... لكنه انتقل من مدينة شيكاغو إلى جهة مجهولة واختفى عن أنظار الإعلام للأبد.

تم عمل الكثير من الأفلام و الكتب المستوحاة من قضية مقتل تيريسيتا باسا، من أهمها كتاب من تأليف جون اوبراين و إدوارد بومان بعنوان “صوت من القبر voice from the grave ” ، وتم تحويله لاحقا لفيلم حمل نفس العنوان من انتاج عام 1996م.