اوبتاتيوس... والرصاصة التى لا تزال في جيبه

في خضم الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الأرض تهتز تحت وقع القنابل، والهواء يشتعل برائحة البارود، خرج الجندي البلجيكي أوبتاتيوس بوييسنس في مهمة استطلاع محفوفة بالموت. كان يتحرك بحذر، يتسلل بين الأنقاض والظلال، كل شيء فيه كان صامتًا… إلا شيء واحد. طقطقة خفيفة... همسة معدن في جيب الصدر.
كانت ست عملات معدنية — ثلاث بلجيكية وثلاث فرنسية — تصطدم ببعضها داخل جيبه، لتصدر صوتًا خافتًا، لكنه كافٍ ليلفت انتباه قنّاص ألماني كان يترصده في صمت.
دوّى الرصاص. وفي لحظة، كان من المفترض أن يخترق الرصاص صدر أوبتاتيوس، أن يسقط صريعًا كما سقط الكثير من رفاقه… لكن القدر كان يحمل له سيناريو مختلفًا تمامًا. الرصاصة ارتطمت بالعملات المعدنية!
المعادن صدّت الضربة، امتصّت قوتها، وانحرفت الرصاصة بعيدًا عن قلبه. أصيب بكدمة، لكنه خرج من تلك اللحظة حيًا، مذهولًا، وكأن الحياة منحت له فرصة ثانية عبر شيء لم يكن ليخطر بباله: العملات في جيبه.
تلك العملات، التي شُوّهت بالرصاصة، لم تُرمَ. بل احتفظ بها كرمز للنجاة، وتحولت فيما بعد إلى إرث عائلي ثمين، تروى قصته عبر الأجيال.
ورغم أنه كان يعاني من إصابة سابقة في الورك، تطوّع أوبتاتيوس للقتال بإرادته، ونجا من الحرب، ليعيش بعدها حتى عام 1958.
إنها واحدة من تلك اللحظات النادرة التي يكشف فيها القدر عن وجهه الطيّب وسط جنون الحرب… لحظة أنقذ فيها مجرد صدى معدن بإرادة الله، قلب إنسان.