المدينة التي مرضت بلا سبب
في خريف عام 1984، كانت بلدة أمريكية هادئة تُدعى ذا دالِز (The Dalles) في ولاية أوريغون تعيش أيامًا عادية.
المحال تفتح صباحًا، العائلات تتناول الغداء في المطاعم، والوجوه مألوفة كما هي دائمًا. لكن أحدًا لم يكن يعلم أن الشر كان يختبئ في طبق السلطة.
في تلك الأيام، بدأ سكان البلدة يشعرون بأعراض غريبة… حمّـى مرتفعة، غثيان شديد، آلام لا تُحتمل في البطن. مئات الأشخاص أُصيبوا فجأة بتسمم جماعي غامض. السلطات أعلنت حالة طوارئ، والمستشفيات امتلأت عن آخرها.
لم يمـت أحد، لكن أكثر من 750 شخصًا كانوا يتلوّون من الألم، والأطباء لم يجدوا أي تفسير منطقي.
لقد بدا الأمر كأن البلدة الصغيرة قد لُعـنت. لكن الحقيقة كانت أبشع من أي لعنة.
على بُعد عشرات الكيلومترات من البلدة، في منطقة نائية قاحلة، كان يعيش مجتمع غريب يُسمى راجنيشبورام (Rajneeshpuram) — مدينة بناها أتباع الزعيم الهندي الغامض باغوان شري راجنيش (Bhagwan Shree Rajneesh)، الذي قدّسه أتباعه كإله على الأرض.
كانوا يرتدون الثياب البرتقالية، يعيشون في عزلة تامة، ويؤمنون أن العالم الخارجي ملوث وفاسد، وأنهم وحدهم يحملون “النور”.
لكن خلف هذا الهدوء الروحي، كانت تُدار أخطر مؤامرة بيولوجية في تاريخ أمريكا.
داخل مكاتبهم المحصّنة، اجتمعت المرأة الأقوى في الطائفة — ما آناند شيلا، الذراع اليمنى للزعيم، والعقل المدبّر الحقيقي خلف الكواليس.
كانت تعرف أن انتخابات مقاطعة واسكَو تقترب، وأن المجتمع المحلي يعارض توسّع طائفتهم .فخططت لشيء “عبقري” ومريع في آنٍ واحد:
“إن لم نستطع كسب أصواتهم… سنُسقطهم بالمرض.”
كانت الخطة بسيطة ومجنونة في الوقت ذاته. أعضاء الطائفة تسللوا إلى مطاعم البلدة، ورشّوا بكتيريا السالمونيلا على السلطات، الأطعمة، وحتى مقابض الأبواب في المتاجر والمباني العامة.
لم يكن الهدف القتـل — بل نشر الضعف والفوضى، حتى يُصبح السكان عاجزين عن التصويت يوم الانتخابات.
وبينما الناس يصرخون من الألم، كان أعضاء الطائفة يبتسمون في صمت، معتقدين أنهم ينفذون “إرادة الزعيم”.
استمرّت الفوضى أسابيع، والمحققون في حيرة تامة.
لم يجدوا دليلاً واحدًا على تسميم متعمّد، واعتقدوا أن الأمر مجرد وباء غذائي عادي.
لكن بعد عام كامل، انكشف المستور.
حدث خلاف داخلي بين أعضاء الطائفة، وهربت إحدى المساعدات، لتبلغ السلطات بما حدث.
عندها فقط، دخل المحققون إلى مختبرات راجنيشبورام… فاكتشفوا كميات ضخمة من السموم والبكتيريا المُخزّنة بعناية! كانت الأدلة دامغة، كأنها مأخوذة من فيلم رعب علمي.
تم القبض على ما آناند شيلا، التي حاولت الهرب إلى سويسرا، وأُعيدت للولايات المتحدة لتُحاكم بتـهمة الهجوم البيولوجي والتآمر.
أما زعيم الطائفة، فاختفى عن الأنظار وسط فوضى الانشقاقات، تاركًا أتباعه يتساقطون واحدًا تلو الآخر.
انهارت المدينة الروحية التي كانت تُقدَّم كمثال للسلام، واتضح أنها كانت مختبرًا للرعب.
في النهاية، لم يُقت*ل أحد في ذلك الهجوم، لكن الخطر الحقيقي لم يكن في عدد الضحايا… بل في فكرة أن مجموعة صغيرة من الناس استطاعت نشر مرض قاتل على نطاق واسع، دون أن يلاحظ أحد… لأسابيع.
كانت تلك الحادثة صرخة في وجه العالم: أحيانًا، لا يأتي الرعب من الخارج... بل من أولئك الذين يظنون أنفسهم منقذين.


