إلغاء الفلسفة وعودة الكتاتيب شكرا ... لمن ماتوا عن العالم ... ليمنحونا الحياة (1) السيد المسيح … صديقي الذي أحببته كما أحبه التلاميذ‎ قصة ”غير المولود أعمى”! لسنا عربا... ولسنا قبائل عُمر خورشيد.. ملِك الجيتار الخالِد هل سيتخلى ”اليهود” عن دعمهم التاريخي للحزب الديمقراطي‎؟! سمع هُس!! بين منهج الروحانية المسيحية وبين الصوم في المسيحية سياحة في فكر طبيب العطايا ... وأسئلة محيرة استريحوا قليلا

منسي موريس يكتب: مفاهيم خاطئة عن الإيمان

كثيرة هي المفاهيم الخاطئة عن الإيمان بل وخطيرة جداً لأنها تؤثر على طبيعة فهمنا للخبرات الروحية وعلى طبيعة الله والوجود ككل لأن " مفهوم الإيمان" يعد هو المدخل الرئيس لعلاقتنا بالله والوحى وبعالم المعرفة اللاهوتية عموماً فلو كان هذا المفهوم خاطئاً سيؤثر قطعاً على طريقة عمل العقل والوجدان والفهم وسيشكل تصورات ضارة على بنية الواقع الموضوعى و الذاتي ، ولعل أهم مافعله " السيد المسيح " في حياته وتعاليمه ورسالته هو " نقد المفاهيم والتصورات الخاطئة عن الإيمان والله " في المجتمع اليهودى وبناء تصورات ومفاهيم صحيحة تتناسب مع طبيعة الله الحقيقية"

وفى الحقيقة تربى الكثير منا على بعض المفاهيم الخاطئة عن الإيمان و التي ينبغي الوقوف عندها ونقدها لأنها في إعتقادى كانت سبباً رئيساً في عدم بناء عقلية ناقدة فاحصة تعتمد بشكل كبير على قواعد التفكير السليم لذلك يمكننا القول "أن مفهوم الإنسان عن الإيمان يحدد طريقه تفكيره " فكلما كان هذا المفهوم عقلانياً رصيناً مبنى على خبرات روحية عميقة كلما كان أقرب إلى الصدق والصواب وأكثر نفعاً للذات والآخر وكلما كان هذا المفهوم مشوشاً وغير منطقياً كلما صار التفكير أيضاً يسير بشكل عبثى لا يدرك مشكلات الواقع ودقائق أموره  بل يزيد من حجمها ويضر بالذات والآخر لأن الإيمان الصحيح يجعلنا نرى الأمور على حقيقتها أما الإيمان الخاطىء فيضللنا ويجعلنا نغرق في القشور والسطحيات وكل ما هو ظاهرى وغير حقيقى ، ونبدأ في بعض التعريفات الخاطئة التي أنتجت لنا أفكاراً مشوهة .

أولاً. الإيمان ضد العقل : للأسف الشديد علمونا أن الإيمان لا يعتمد على العقل حتى أصبحنا أجيال لاتفكر لاتشك لاتبحث لاتنتقد وإن طرحنا أسئلة يكون الجواب العقل شيء والإيمان شيء آخر تماماً لدرجة صرنا نقبل بكل شيء وبأى سُلطة وتم تفريغنا من كل حس نقدى ،تعلمنا أن الإيمان لايمكن التعاطىء معه بشكل برهانى منطقى وكأن الإيمان لايمكن أن يجتمع مع العقلانية والتفكير العلمى لكنه فقط عملية عاطفية محلها القلب و الشعور والكارثة الكبرى في هذا المنطق أنه جعل الذى يؤمن لايفكر وصار الإيمان عملية عمياء تقبل بكل شيء ولا تميز أي شيء حتى صار السواد الأعظم من الناس بكل سهولة يمكنه أن يقبل بأى قصة وبأى خرافة وبأى تناقض دون أن يشعر أن هناك شيء ما خطأ وأصبح العقل مبنى على تناقضات والعقل المتناقض لا يمكنه كشف ذاته ، نعم هناك بعض المسائل قد نحتار فيها عقلياً ومن الممكن أن لانجد حلاً لها لكن ليس معنى هذا أن الإيمان كله ينبثق من الحيرة وعدم الفهم والتعقل لأن أغلب القضايا اللاهوتية يمكن البرهنة عليها عقلياً " كالوجود الإلهى ، إمكانية حدوث المعجزات ، ضرورة الوحى والخلود "، لكن ترسيخ فكرة أن الإيمان عملية غير عقلية فكرة تتناقض تماماً مع حقيقة الإيمان نفسه لأنه من غير المعقول أن الله مصدر العقل والفهم يطلب منا أن نتخلى عن عقلنا وفهمنا الذى هو نابع منه وصادرعنه ؟!، وكذلك الأمر عند الأخوة الذين لايؤمنون بالأديان من الملحدين واللادينيين نجدهم يقولون نفس الشىء تماماً عن الإيمان فيعتقدون أنه أمر غير عقلانى وخرافى ولايعتمد على أي حجة ودليل وبرهان وهنا نجد الكارثة أن الذين لايؤمنون بالأديان نجدهم يتفقون مع بعض المؤمنون على أن الإيمان أمر لايعتمد على العقل وكلاهما يستشهدان ببعض النصوص الكتابية لإثبات صحة هذه الفكرة الخاطئة .

ونبدأ الآن  ببعض الآيات التي يستخدمها كل شخص يؤمن بهذه الفكرة الخاطئة :

1- الآية الأولى :  "لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول: «يسوع أناثيما». وليس أحد يقدر أن يقول: «يسوع رب» إلا بالروح القدس." (1 كو 12: 3) الكثير يستخدم هذه الآية للبرهنة على أن الإيمان بألوهية " السيد المسيح " لايتوقف على العقل لكنه يعتمد على " الروح القدس " فالروح القدس هو وحده المسؤل عن إظهار هذه الحقيقة لا الإنسان بقدراته العقلية والفكرية وإذا عدنا إلى  الآية في سياقها التاريخى نجدها لاتتحدث عن طبيعة الإيمان لكنها خاصة في موقف " التكلم بالألسنة " الذى حدث مع المؤمنين في الكنيسة الأولى فهذه الآية تضع معيار للتمييز بين من يتكلم بألسنة بحسب الله ومن يتكلم بألسنة بحسب الشيطان فكان المعيار هو الإعتراف بألوهية المسيح كدليل على أن هذا الشخص يسوقه الروح القدس فالشيطان لايمكن أن يعترف بأن " المسيح رب ويعمل وفق مشيئته وإلا ما كان هو الشيطان ؟ لأن طبيعة الشيطان تتعارض مع طبيعة الله " فالإستدلال بهذه الآية للبرهنة على أن الإيمان يتوقف فقط على الله والروح القدس ولادخل للعقل فيه هو إستدلال غير موفق ولايمكن الإعتماد عليه  لأن هذه الآية كانت علامة تميز بين شخص مؤمن حقيقى وبين شخص آخر غير مؤمن في موقف محدد .

2-  الآية الثانية : "فأجاب يسوع وقال له: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات." (مت 16: 17هذه الآية ايضاً تستخدم للبرهنة على فكرة أن الإيمان عملية إلهية فقط يكشف فيها الله عن نفسه لبعض البشر وهنا نجد مغالطة من الذين يستهشدون بهذا النص وهى حصر كل سبل الإيمان في طريقة واحدة  "الإعلان الإلهى "  نعم الله قد يكشف عن ذاته لإنسان ما لكن ليس معنى هذا أن هذه الطريقة هي " الوحيدة فقط  " التي يتعامل بها الله مع البشر فالله أيضاً أعطى العقل للإنسان وبه يستطيع أن يصل إلى الحقيقة ، فحصر الإيمان في هذا الموقف وهذه الطريقة بالتحديد هو إختزال كبير لطرق الإيمان الكثيرة والمتعددة .

3-  الآية الثالثة : "وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى." (عب 11: 1) من أشهر الآيات التي يستخدمونها للبرهنة على أن الإيمان عملية تتطلب ثقة لا دليل ثقة في كل ماهو غير مبرهن ومجهول غير قابل للإثبات والتأكيد والتحقيق وللتوضيح علينا أن نفهم ما يقصده" الرسول " بهذا القول أنه لا يتحدث عن وجود الله أو حقيقة الوحى والمعجزات والخلود لكنه يتحدث عن الثقة في العلاقة بين الإنسان والله أي على الإنسان أن يثق في صلاح الله مهما ظهر الواقع عكس ذلك وهناك يكون الرجاء في الله الغير مرئى لا الظروف وتقلبات الحياة والمشاكل الظاهرة فالوحى هنا يقصد أن الإرتباط بين الروح الإنسانية والله ينبغي أن يكون مبنى على رجاء فالحب الغير مرئى أقوى من الواقع الملموس وهذه حقيقة يمكن أن يختبرها المرء فعندما يعيش الإنسان تجربة حب حقيقية مع شخص يحبه سيجد أن هذا الحب أقوى منالأشياء الظاهرة  وسوف يثق في هذا الحب أكثر من أي شيء آخر  فهنا الوحى يتحدث عن هذه العلاقة لكن لا يتحدث من قريب أو من بعيد عن القضايا اللاهوتية كالوجود الإلهى مثلاً بدليل أن الكتاب المقدس كله يقدم الله على أنه حقيقة الحقائق وحتى "بولس الرسول " نفسه القائل هذا النص فإنه كان خير شاهد على ظهور " المسيحله ومن وقتها تغيرت حياته فالإستدلال بهذا النص هو إستدلال غير صحيح لأن النص يتحدث عن التجربة الروحية بين الإنسان والله لكن لا يتحدث عن القضايا اللاهوتية أو الفلسفية العقلية التي تخص الوجود الإلهى .

 لكن دعونا نفهم طبيعة الإيمان والعقل بحسب "الإنجيل " يقول " السيد المسيح " "وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى." (مر 12: 30) " فالمسيح " هنا يؤكد على محبة الله بالفكر ومُحال أن نحب شخصاً ما بالفكر إلا إذا كان هذا الحب مبنى على فكر سليم ومنطقى ومقبول وليس مجرد عواطف مُتقلبة غير مؤسسة على أرض صلبة بجانب أيضاً أن " السيد المسيح " في كل حوراته مع الكتبة والفريسيين كان يستخدم المنطق والعقل لإقناعهم بأنه هو " الإله المتجسد " وهذا واضح جداً عندما أرادوا أن يرجموه لأنه كلامه كان يُشير إلى  حقيقة أنه هو  " يهوه " "أجابه اليهود قائلين: «لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها»" (يو 10: 33).

 فالمسيح هنا إستخدم الأسلوب البرهانى المبنى على الحجة ،  وكذلك " بولس الرسول " أكد على ضرورة العقل كجزء أصيل في الإيمان كما قال "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، عبادتكم العقلية." (رو 12: 1) وهناك الكثير والكثير من الآيات في العهد القديم والجديد تؤكد على أن الإيمان لابد وأن يكون عقلانى نابع من البحث والدراسة والفحص لا بالتسليم الأعمى فالكتاب المقدس يشجع على هذا كما جاء في  " اعمال الرسل " "وكان هؤلاء أشرف من الذين في تسالونيكي، فقبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم: هل هذه الأمور هكذا؟" (أع 17: 11)

 

ثانياً . الإيمان والعلم : هناك بعض التفسيرات للنصوص الكتابية خاصة " سفر التكوين"

منها التفسير الحرفى الذى يجعل من قصة الخلق قصة علمية ويحاول هذا التفسير رفض أي نظرية علمية تخالف فهمه لهذه النصوص وكارثة هذا التفسير أنه جعل من " الكتاب المقدس " كتاب علم رغم أن الكتاب المقدس نفسه لم يقل هذه الحقيقة لكنه في الحقيقة كتاب يكشف عن طبيعة الله وللأسف الكثير من الملحدين يحاكمون الكتاب المقدس بمعايير النظريات العلمية الحديثة وفقاً لهذا التفسير الذى وضعه المؤمنين ؟! وهنا يحدث الصراع بين العلم واللاهوت من له الحق في تفسير الوجود من الناحية المادية؟ وبالطبع العلم في هذه الحالة له الحق في تفسير العالم من الجانب الحسى لأن موضوعه هو المادة ومنهجه هو التجربة واللاهوت موضوعه عالم ما وراء المادة ومنهجه هو الإختبار الروحى لكن خلط الأوراق وجعل اللاهوت مصدراً للحقائق العلمية هذا سيدمر الإيمان والعلم معاً ولو تتبعنا مسيرة الوحى منذ بدايته إلى نهايته نجده لايركز على المعلومات العلمية لكنه يدور حول " خلاص الإنسان " وهذه مهمة الإيمان أن يخلص الإنسان من الخطيئة والشر بمعرفة الله الحقيقية حتى " قصة الخلق " كان الهدف من سردها كيف سقط الإنسان في الخطيئة بعدما ترك الإله هذا هو محور الإيمان و ليس محوره ذكر لمعلومات عن طريقة الخلق بالشكل العلمى لكنه يقدم طريقة الخلاص " بالمسيح " وهذا لا يمكن للعلم أن يفعله لأنه العلم يتعامل مع المحسوسات والمادة أما " الخلاص ، الضمير ، الخطيئة ، الخير ، الشر ، الله ، الروح" كلها أمور تقع خارج نطاقه وحدوده ، ففكرة أن الإيمان منبع للمعلومات العلمية فكرة تعد خاطئة جملةً وتفصيلاً وتضر بالإيمان أكثر مما تنفعه والتاريخ يشهد بهذا الأمر ولو رجعنا لتفسيرات الكثيرمن الآباء الأوائل على سبيل المثال  " كالقديس أوغسطين " نجده كان يتبع التفسير الرمزى الروحانى لا القراءة الحرفية للنص.

ثالثاً . فائدة الإيمان  : الغير مؤمنين عموماً يعتقدون أن الإيمان مثله مثل الوهم تماماً لا فائدة منه بل على العكس تماماً أضر بالإنسان وبالبشرية وكان سبباً في الخراب والدمار ولكن دعونا نطرح هذا السؤال لماذا نؤمن؟ إن عملية الإيمان ليست بالسهولة التي يتخيلها الكثيرمن الملحدين واللادينيين لأن الوجود ككل يدفعنا لأعمق الأسئلة المصيرية الكبرى من نحن؟ لماذا وجدنا ؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ وهذه الأسئلة لا يستطيع العلم أو التصور الإلحادى المحض أن يجيب عنها رغم ذلك نجد أنفسنا كل يوم مضطرين أن نطرح كل هذه المسائل الوجودية لأنها تخص وجودنا فأهمية الإيمان تعادل تماماً أهمية وجودنا وفائدة الإيمان معرفة مصائرنا وجوهر كينونتنا وهل يوجد شيء أكثر فائدة من هذا؟! إذا كانت كل هذه الأسئلة غير مهمة فما هو المهم؟ إن الإيمان يعد تصور كبير وشامل " للحياة ، الموت ، الأخلاق ، الوجود ، الماهية ، المصير، الذات ، الحب ، الخير ، الشر ... " وليس الإيمان مجرد فقط تصور يبقى ويظل في الذهن لكنه ينعكس على الروح فيخلق فيها حياة جديدة حياة تكره كل " شر ، ظلم  ، حقد ، قتل ، حرب " إنه حالة تعيد للإنسان براءته وخيريته وسعادته ووجوده وكيانه فتغيره للأفضل تجعله محباً للآخرين والعالم أجمع ، وللإيمان برهان حقيقى يمكننا أن نراه في كل وقت وزمان ومكان لأنه بالفعل غير حياة الكثيرين للأفضل ومازال يغير لأنه ليس مجرد وهم لكنه حقيقه ولا يمكن للأوهام أن تعيد للإنسان كل مبادئ الخير والحب لأن الأوهام بطبيعتها مُضللة خادعة تُخرب الوعى والضمير والروح عكس ما يفعله الإيمان الحى النابض بالمحبة والسلام .