نسجتني في بطن أمي

تأثرت كثيرا بصورة تداولها البعض على صفحات التواصل الاجتماعي لطفلة صغيرة فقدت أمها منذ أن ولدتها، وطلب منها أحد الفنانين رسم الأم بالطباشير على الأرض وذلك أثناء زيارته للملجأ الذي تقيم فيه هذه الصغيرة. وكانت المفاجأة له التي سجلها بعدسات كاميرته ان الصغيرة رسمت الأم ضخمة كبيرة مبتسمة وإذا بالفتاة تخلع حذاءها وتنام على الأرض في حضن الرسم الذي رسمته وهي في وضع الجنين.
وكانت التعليقات كثيرة متنوعة والبعض منها مستفز إلا ما قد تبادر علي التو واللحظة بذهني فقلت في نفسي: أحمدك يا ربي لأني امتزت عجبا فانت نسجتني ببطن أمي وتعرف جميع عظامي وأعضائي ونفسيتي وأفكاري عرفتها كلها ما أعظمك.
قمت في فترة من حياتي بتدريس مادة النسيج للمكفوفات وأيضا لطلاب الفنون بالجامعة وذلك باستخدام ما نطلق عليه النول البسيط أو نول البرواز ونول المنضدة الذين من خلالهم يمكن تشابك الخيوط بتقنيات مختلفة لإنتاج قطعة قماش منسوجة يدويا. كم ان هذه العملية صعبة وتحتاج الكثير من التركيز والصبر وطول البال. فانت تحتاج لمهارة لتفك الخيوط المتداخلة أو عقدة تكونت أثناء العمل.
فالنسيج عرف منذ بدء الإنسان على الأرض يعيش حيث كان أول ثوب خيط بيدي الرب الإله من جلد الخراف وألبسه الرب لأدم وحواء زوجته لستر عريهما وطردا للأرض ليبحثا عن خامات ويخترعون الأدوات لسداد احتياجاتهما وبخاصة الملبس في الشتاء القارص وعوامل الطبيعة القاسية.
وتطورت صناعة المنسوجات واخترعت الآلات وصممت المصانع الضخمة والخامات المختلفة وأنواع هائلة من المنسوجات لأغراض شتي هكذا تطورت وبخاصة مع ما أطلق عليه المؤرخون الثورة الصناعية، وكم تفننت خطوط الموضة لعمل الملابس الأنيقة والمتميزة فلكل حقبة تاريخية ملابسها ولكل بلد أزياؤها طبقا لمناخ البلاد. وقد كان في كل بيت مصري نول كبير عادة تشتغل الأم والبنات لعمل ملابس الأسرة وسجلت هذه الموضات الرائعة على جدران المقابر الفرعونية فهي ملهمة بيوت الأزياء الراقية الحديثة بفرنسا وإيطاليا وغيرها.
أطلق الكتاب المقدس تعبير(نسجتني) بأكثر من موضع حيث استخدمه أيوب البار الذي قال: "كسوتني جلدا ولحما فنسجتني بعظام وعصب" (أيوب 10: 11). وكذلك داود النبي الملك في مزمور 139 وعدد 13 اذ يتحدث مع الرب الاله قائلا:" لأنك انت اقتنيت كليتي. نسجتني في بطن أمي".
فكلا من أيوب وداود يؤكدان أن الرب الإله كان دقيقا في صنعته وعملها بمهارة وعقل خلاق مبتكر. عزيزي انت لم توجد في العالم صدفة أو غلطة أو نتيجة تطور لخلية لكن كل فرد متميز لا يوجد نسخة أخري منه. فيا للعجب لا توجد بصمة إصبع واحدة تشبه الأخرى وبتطور العلم والتكنولوجيا لا توجد بصمة عين أو صوت مثل الأخرى. يا له من إله رائع خلاق يحب التنوع صنعني متفردا لا يوجد مني اثنين، ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت ملآنة الأرض من غناك من مجدك ورضاك.