الجماعات الجهادية السورية لا يعنيهم حدود ولا وطن؟!!
صناعة خطاب الكراهية (2)

تحقيق: إيهاب أدونيا
لا يخفي على احد أن صناعة الكراهيَّة في الخطابات الطَّائفيَّة نابعة من نُخبة معروفة في الأوساط السِّياسيَّة، والدِّينيَّة، والمذهبيَّة، والإعلاميَّة، والمُدونين المُقرّبين من تلك الجهات السَّياسيَّة الحاكمة، أو قِوى (اللا دولة)، وينشرون خطابات الكراهيَّة بصُورة علنيَّة عبر صفحاتهم الشَّخصيَّة، أو قنوات فضائيَّة موجّهة للقطيع محاولين إقناع الرَّأي العامّ بتلك الطُّروحات المبنيَّة على الكراهيَّة والطَّائفيَّة، وكسب مجموعات من خارج القطيع بالانضمام إليهم، والتَّعاطف معهم، ودغدغة مشاعرهم المذهبيَّة.
تستمر آلة القمع الرجعية التكفيرية في قمع الأقليات العرقية او الدينية في سوريا، وفي بث الكراهية وشرعنة العنف بحق الضعيف من الجماعات الجهادية
هذه الانتهاكات المستمرة لن تكسب سوريا إلا الرجعية ونظرة عالمية تنمُّ عن القمع والاعتداء، ليست الدولة الأمنة التي سعى لها معظم الشعب السوري.
أدوات صناعة الكراهية
صناعة الكراهية هي عملية منهجية تُستخدم لنشر الكراهية والتحريض ضد أفراد أو جماعات أو أفكار معينة، بهدف تحقيق مصالح سياسية، دينية، اقتصادية، أو اجتماعية. تعتمد هذه الصناعة على وسائل متعددة، مثل الإعلام، الخطاب الديني أو السياسي، التعليم، والدراما، لتشكيل تصورات سلبية عن الآخر وتعزيز الانقسام في المجتمع..
أدوات صناعة الكراهية هي:
الدعاية والتلاعب الإعلامي: نشر أخبار مضللة أو مشوهة لترسيخ صور نمطية عن فئة معينة.
التلاعب بالتاريخ: إعادة تفسير الأحداث التاريخية لتبرير العداء تجاه جماعة ما.
استغلال الدين: استخدام النصوص الدينية خارج سياقها لإضفاء شرعية على الكراهية.
التعليم والمناهج الدراسية: تضمين مفاهيم تعزز التمييز والتعصب في المناهج التعليمية.
الخطاب السياسي: توظيف خطاب الكراهية لكسب التأييد الشعبي عبر خلق "عدو مشترك".
الدراما والفن: تصوير فئات معينة في الأدوار السلبية بشكل متكرر في الأفلام والمسلسلات.
التاريخ يعيد نفسه
عام 1860 هاجمت ميلشيات من المتطرفين المسلمين والدروز مناطق المسيحيين في لبنان، بهدف إبادة جماعية للطائفية المسيحية
حدث ذلك بدعم عثماني من الوالي خورشيد باشا، الذي لم يرق له انتفاضة الموارنة المسيحيون ضد الإقطاع العثماني في جبل لبنان، وهي أشهر منطقة لبنانية تتركز فيها القوة المسيحية بالشام على الساحل..
فكانت النتيجة دعم وتسليح متطرفين من الدروز والمسلمين لعمل مقتلة عظمى ضد المسيحيين، راح ضحيتها أكثر من 30 ألف مسيحي في لبنان وسوريا معا، ولم تتوقف الإبادة سوى بعد تدخل أوروبا، - خصوصا فرنسا - وتهديدها بإرسال الجيش الفرنسي لحماية ما تبقى من مسيحيين سوريا ولبنان.. اليوم تفعل عصابات الجولاني الإرهابية نفس الشيء
فبعد جريمتها الطائفية في الساحل السوري وإبادة آلاف العلويين، تهاجم الآن تلك العصابات الطائفية القرى اللبنانية من ذوي المذهب الإثنى عشري، بهدف إحداث مقتلة قد توازي أو تفوق جريمة 1860
وبنفس الحجة التي فعلوا بها جريمتهم في الساحل، أن اللبنانيين هاجموا قوات أمنية..
على المجتمع العالمي التدخل لحماية وإنقاذ الطوائف الدينية من جرائم ومجازر الجولاني، بل على المجتمع الدولي التدخل لوضع حد لتلك العصابات الأجنبية والمتطرفة دينيا، والتي لم تكتف بما حصدته من الدم في سوريا ضد المخالفين مذهبيا، بل تريد السطو والعدوان على دول الجوار..
الدعوة للإسلام وسط أحياء المسيحيين في شوارع دمشق تثير جدلا في سوريا
انتشرت مقاطع فيديو لسيارات دعوية تجوب شوارع دمشق، بما في ذلك الأحياء المسيحية، مرددة عبر مكبرات الصوت عبارات دينية تدعو إلى الإسلام.
أثارت هذه الظاهرة جدلًا واسعًا، خاصة عندما توقفت إحدى هذه السيارات أمام كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، ما أدى إلى توتر في المنطقة وتدخل بعض السكان لمنعها.
انخفاض أعداد المسيحيين في سوريا
لقد كان المسيحيون في سوريا يشكلون قبل بدء النزاع في عام 2011 نحو عشرة في المائة من السكان. أما عدد المسيحيين الذين ما يزالوا يعيشون في سوريا اليوم فهو غير معروف. والمسيحيون في سوريا ينقسمون إلى إحدى عشر طائفة مختلفة، أكبرها عدداً الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليكية، وهي مرتبطة بالفاتيكان في روما. ولكن توجد أيضاً كنيسة بروتستانتية صغيرة، كان عدد أعضائها قبل عام 2011 نحو 300 ألف شخص.
ومنذ إسقاط الأسد في 8 ديسمبر على يد هيئة تحرير الشام الإسلامية، تتملك الكثير من المسيحيين "خوف من الأسلمة"، رغم أنَّ القيادة الجديدة بقيادة أحمد الشرع قد أرسلت وقتذاك إشارات إيجابية إلى جميع الطوائف الدينية في سوريا وقالت إنَّها تريد احترام التنوع، ولكن هناك "بعض الغموض في البرنامج السياسي" الخاص بالحكام الجدد.
وقعت اعتداءات فردية ضد المسيحية. وأظهرت مقاطع فيديو قيام مسلح بإحراق شجرة عيد الميلاد في حلب. كما قامت في وقت لاحق مجموعة مسلحة بمهاجمة مطرانية الروم الأرثوذكس في حماة، وتكسير رموز دينية وإطلاق النار على المبنى. ومن جانبها أدانت حينها هيئة تحرير الشام هذه الأفعال وأكدت أنَّ المسؤولين عن ذلك "مجهولون" وستحاسبهم لأنَّهم يضرون بتعهداتها في قبول والتسامح مع الأقليات.
ويكشف تقرير نشرته منظمة "Aid to the church in need" (مساعدة الكنيسة المحتاجة) الخيرية الكاثوليكية، أن المسيحيين في سوريا يعانون من تزايد القمع والاضطهاد حالياً، بحسب التقرير، فإن عدد المسيحيين في سوريا انخفض خلال عقد من الزمن من مليون ونصف (10 في المئة من السكان) قبل عام 2011 إلى نحو 300 ألف حالياً (أقل من 2 في المئة من السكان).
وفي ذات المضمون رأى الصحفي التركي أوزاي بولوت، الباحث في معهد جيتستون الأمريكي أن المسيحيون في سوريا يواجهون تهديدا إرهابيا وجوديا بعد وصول زعيم تحرير الشام أحمد الشرع الجولاني إلى السلطة في دمشق، وإسقاط نظام بشار الأسد.
ي دراسة له بعنوان ”سوريا: المسيحيون يواجهون تهديدا إرهابيا وجوديا، نشرها مع معهد جيتستون أنه منذ سيطرة تحرير الشام على السلطة في دمشق بقيادة الجولاني، أصبح المسيحيون ضحايا الترهيب والتخريب والعنف والتمييز بشكل متزايد. وهم رهائن على أيدي الإسلاميين.
منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق بقيادة أحمد الجولاني في ديسمبر 2024، أصبح المسيحيون في سوريا يواجهون تهديدا وجوديا حقيقيا.
فظهرت صور ومقاطع فيديو لمجاهدين من فصائل هيئة تحرير الشام وهم يعتدون على الكنائس والمقابر المسيحية. كما يتم تدمير الأماكن المقدسة بشكل متزايد في ظل الحملة الجهادية التي تشنها هذه الجماعات.
كما ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات فيديو لمجاهدين من فصائل هيئة تحرير الشام وهم يدنسون كنيسة آيا صوفيا اليونانية الأرثوذكسية في السقيلبية.
وتعرضت مطرانية حماة اليونانية الأرثوذكسية لإطلاق نار، كما تم تدنيس مقابر مسيحية قريبة. كما أحرق ملثمون في السقيلبية شجرة عيد ميلاد صناعية عالية في الساحة الرئيسية، بينما منعوا المراقبين ورجال الإطفاء من إطفاء الحريق، وفقا للمقاطع المصورة.
وقد ظهرت لقطات أخرى مثيرة للقلق من حماة. ويظهر في الفيديو شيخ مسلم ومتطرفون إسلاميون يدخلون منزل رجل مسيحي “لدعوته إلى الإسلام”.
ويبدو الانزعاج واضحا على وجه الرجل، حيث تصر المجموعة على أنها تعمل “كدعاة إلى رسالة الله”.
كما أظهرت لقطات أخرى اقتحام متجر لبيع الخمور وتخريبه في بلدة كفر بحوم الأنطاكية اليونانية.
وأخيرا ... ما تعيشه الأقليات في سوريا في هذه اللحظات الاستثنائية هو مرحلة خطرة جدا تلخص الفوضى التي تعمّد الإسلام السياسي صنْعها وتوزيعها على المنطقة ليحولها من قلق الأقليات على وجودها -وهو قلق مشروع- إلى رعب من مصير مظلم كما ترويه لنا المشاهد القادمة من مناطق الساحل السوري والسبب الحقيقي وراء ذلك هو بث خطاب الكراهية لتحقيق مراد أيديولوجي بتطهير عرقي وديني في المنطقة لصالح الجماعات الجهادية الإسلامية.