كازوكو فوكودا ... المرأة ذات الوجوه السبعة

في صيف عام 1982، كانت الأجواء داخل المصنع الصغير في مدينة ماتسوياما مشحونة بالتوتر. بين أصوات الآلات ورائحة الزيت، ارتفع صوت جدال بين كازوكو فوكودا وزميلتها حول دين مالي لم يُسدد. لحظات قليلة تحولت فيها الكلمات إلى غضب أعمى، والغضب إلى يدين تلتفان حول عن*ق الضحية، حتى خيّم الصمت... صمت ثقيل كأنه نهاية العالم.
حين أدركت فوكودا ما فعلته، لم تنتظر الشرطة أو تبرير القدر. خرجت من المصنع بخطوات سريعة، حقيبة صغيرة تتأرجح على كتفها، وعينان تبحثان عن أي طريق للهروب. منذ تلك اللحظة، ماتت شخصية كازوكو فوكودا... وولدت شخصية جديدة، بلا ماضٍ، بلا هوية، بلا اسم ثابت.
كانت تعرف أن الشرطة ستطاردها بلا هوادة، لكن ما لم يعرفه أحد هو براعتها في التحول. شعر أسود قصير، ثم أشقر طويل، ملابس بسيطة ثم أنيقة، نظارات طبية اليوم، عدسات ملوّنة غدًا. ولدت ألقاب متعددة لها، لكن أكثرها رسوخًا في ذاكرة اليابان كان: "المرأة ذات الوجوه السبعة".
انتقلت من مدينة إلى أخرى، تنام في غرف صغيرة مستأجرة، وتعمل في وظائف هامشية: نادلة في مقهى، عاملة تنظيف، بائعة في سوق شعبي. كانت حريصة على ألّا تبقى في مكان واحد طويلًا، وألّا تسمح لأي علاقة إنسانية بأن تتجاوز حدود الابتسامة والتحية. كانت تعيش على الهامش، وفي قلبها يقظة دائمة لأي ظل قد يشبه ظل شرطي.
مرت السنوات، وأصبح القانون على وشك أن ينقذها. ففي اليابان حينها، إذا مرت 15 سنة على جريمة قتل دون القبض على الجاني، يسقط الحكم بالتقادم. بقيت أيام قليلة فقط، والفجر الجديد كان قريبًا... أو هكذا ظنت.
في أحد ليالي العمل الهادئة بمطعم صغير في مدينة فوكوي، جلس زبون يتأمل وجه النادلة. شيء في ملامحها أيقظ ذاكرة قديمة، صورة باهتة من صحيفة تعود لسنوات. لم يتردد، التقط هاتفه، وأبلغ الشرطة.
بعد دقائق، دخل رجال الأمن بهدوء، وجلسوا كزبائن عاديين. لم تكن تعرف أن تلك الزجاجة التي وضعتها أمامهم ستحمل بصمتها الأخيرة في الحرية. تطابقت البصمات، وانتهى الهروب.
عام 1999، وقفت أمام القضاة وهي لا تحمل سوى تاريخها المظلم. صدر الحكم بالسجن المؤبد، وأُغلق فصل الهروب الطويل.
وفي عام 2005، ماتت خلف الجدران الباردة، لتصبح قصتها واحدة من أكثر المطاردات إثارة وغموضًا في تاريخ اليابان...
حكاية امرأة عاشت 15 عامًا وهي تنظر خلف كتفها، حتى خانها الزمن في آخر الطريق، قبل بضعة أيام من حريتها.